خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 8 من شوال 1444هـ - الموافق 28 / 4/ 2023م
لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ غَافِرِ الذَّنْبِ، وَقَابِلِ التَّوْبِ لِمَنْ تَابَ وَأَنَابَ بَعْدَمَا عَدَا وَاعْتَدَى، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْقَائِلُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه: 82]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى سَبِيلِ الْهُدَى، وَالْمُحَذِّرُ مِنْ سُبُلِ الرَّدَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ لُيُوثِ الْوَغَى، وَمَصَابِيحِ الدُّجَى.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ ـ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ـ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّ الْفَوْزَ فِي أَنْ تَتَّقُوا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَتَفَرَّقُوا؛{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الحديد: 28].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
الِاسْتِغْفَارُ؛ وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا الِاسْتِغْفَارُ؟ إِنَّهُ طَلَبُ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ مِنَ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ؛ إِذْ مَا مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا وَهُوَ خَطَّاءٌ، إِمَّا تَقْصِيرًا فِي وَاجِبٍ، وَإِمَّا فِعْلًا لِمُحَرَّمٍ؛ قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: 32]. وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِالِاسْتِغْفَارِ وَخُصُوصاً فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [النصر: 1 - 3]. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَّا يَقُولُ فِيهَا: «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ كَثِيرًا مَعَ أَنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ].
وَإِذَا كَانَتِ الذُّنُوبُ دَاءً فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ دَوَاؤُهَا؛ قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه: 82]، وَوَعَدَ أَهْلَ الِاسْتِغْفَارِ بِالْمَغْفِرَةِ؛ فَقَالَ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء: 110]. وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَيَجِدُ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ شَرَعَ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ فِي خَوَاتِيمِ الْأَعْمَالِ، فَشَرَعَهَا فِي خَاتِمَةِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِالِاسْتِغْفَارِ عَقِبَ تَوْفِيَتِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَعَقِبَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ.
وَلَقَدْ حَثَّنَا الشَّرْعُ الْحَنِيفُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ؛ إِذْ لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ، وَعِنْدَ اقْتِرَافِ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَفِي الْخَلَوَاتِ وَالْجَلَوَاتِ، وَعَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]. وَقَالَ تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات: 17، 18]، فَأَخْبَـرَ عَنِ اسْتِغْفَارِهِمْ عَقِيبَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. قَالَ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ جَلَسُوا يَسْتَغْفِرُونَ رَبَّهُمْ).
وَفِي الْحَجِّ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 199]. فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِغْفَارُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ ارْتِكَابِ ذَنْبٍ أَوْ تَقْصيرٍ وَفِي كُلِّ حَالٍ، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]. حَتَّى إِنَّهُ شُرِعَ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ الْمَجْلِسِ؛ تَكْفِيرًا لِمَا ارْتُكِبَ فِيهِ مِنْ خَطَايَا أَوْ آثَامٍ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَزَالُ مُسْتَغْفِرًا تَائِبًا؛ لِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا يَعْلَمُهُ.
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ الْمَشْرُوعَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِنَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [محمد: 19].
وَلَا يَجُوزُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطٌ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، فَلَا فَائِدَةَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ بِدُونِ تَحَقُّقِ هَذَا الشَّرْطِ؛ فَالْمَغْفِرَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالِاسْتِغْفَارُ الْمَقْبُولُ مُرْتَبِطٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 9]. وَاللهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ إِلَّا لِمَنْ تَابَ مِنْهُ وَأَنَابَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [النساء: 48]، وَمَهْمَا اسْتُغْفِرَ لَهُ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ مَعَ شِرْكِهِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا؛ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 80]. وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [التوبة: 113].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيمَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ غَافِرِ ذُنُوبِ الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يُقِيلُ عَثَرَاتِ الْمُذْنِبِينَ، وَيَقْبَلُ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الدِّينِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ الِاسْتِغْفَارَ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَا تُنْـكَرُ، وَبِالْمَكَانَةِ السَّامِيَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي تُذْكَرُ، وَلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ أَطْيَبُهَا، وَمِنَ الْآثَارِ الْمُبَارَكَةِ أَعْجَبُهَا؛ فَهُوَ يَجْلِبُ مَغْفِرَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيَسْتَجْلِبُ الْإِمْدَادَ بِالْأَمْوَالِ وَالْبَنِينَ، وَيجَعَلُ اللهُ لِأَهْلِهِ جَنَّاتٍ فِيهَا أَنْوَاعُ الثِّمَارِ، وَيُخَلِّلُهَا بِالْجَارِيَاتِ مِنَ الْأَنْهَارِ ؛ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 11، 12].
وَفِي الِاسْتِغْفَارِ أَمَانٌ مِنَ الْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ؛{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: (كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَالِاسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَارُ).
وَمَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ: جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.
أَلَا وَإِنَّ أَعْظَمَ ثَمَرَاتِ الِاسْتِغْفَارِ: دُخُولُ جَنَّةِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [آل عمران: 135، 136].
فَلَا يَقْنَطَنَّ الْعَبْدُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ مَهْمَا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَلْيَلْزَمِ الِاسْتِغْفَارَ؛ تُغْفَرْ خَطَايَاهُ، وَتُسْتَرْ عُيُوبُهُ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْمُوَحِّدِينَ وَالْمُوَحِّدَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِـيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة